في الوقت الذي كانت فيه الشغيلة تنتظر من تنظيمها النقابي أن يكون نموذجًا في الانسجام والديمقراطية الداخلية، تعيش الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT) بالداخلة منذ أيام حالة ارتباك تنظيمي غير مسبوق، بعد تراشق البيانات بين مكونات تنتمي إلى نفس الإطار النقابي، بشكل كشف عن عمق أزمة الثقة داخل البيت الكونفدرالي بالجهة.
البداية كانت مع السكرتارية الجهوية لحاملي الشهادات العليا بجهة الداخلة وادي الذهب، التي أصدرت بيانًا استنكاريًا وجّه اتهامات مباشرة للكاتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتعليم، متحدثة عن “ممارسات لا تمتّ بصلة لروح العمل النقابي المسؤول”، وعن “محاولات للتحكم في المناضلين عبر الشكايات الكيدية”، في خطوة وصفتها السكرتارية بأنها “تراجع خطير عن مبادئ الديمقراطية التي تأسست عليها الكونفدرالية”.
وفي خضم هذا التوتر، خرج المكتب النقابي لشغيلة الصيد البحري في أعالي البحار بالداخلة ببيان تضامني واستنكاري، عبّر فيه عن رفضه لما سماه “الممارسات غير الديمقراطية” داخل النقابة، معتبراً أن ما يقع “يتنافى مع تاريخ الكونفدرالية وقيمها”، وداعياً إلى “العودة إلى الجادة وتصحيح المسار بما يصون وحدة الإطار ومصداقيته أمام الشغيلة والرأي العام”.
من الجهة المقابلة، أصدر الاتحاد المحلي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالداخلة قرارًا تنظيمياً يقضي بـ”الطرد النهائي” لأحد المناضلين، مبررًا القرار بـ”ارتكاب المعني تجاوزات تمس وحدة الإطار وسلوكيات تتنافى مع أخلاقيات العمل النقابي”، هذا القرار زاد من حدة الاحتقان، وأضفى على الأزمة طابعًا تصعيديًا يهدد بتعميق الشرخ بين مكونات النقابة داخل الجهة.
الواضح اليوم أن بيت الكونفدرالية بالداخلة يعيش حالة انقسام داخلي بين تيارين، أحدهما يدافع عن تجديد الهياكل والقطع مع الممارسات القديمة التي تقوم على الولاءات، وآخر يتمسك بما يعتبره “الشرعية التنظيمية” و”الانضباط للنظام الداخلي”.
ويبدو أن ما يحدث داخل CDT بالداخلة يعكس أزمة في الحكامة النقابية وضعفًا في آليات الوساطة الداخلية، خصوصًا في ظل غياب موقف وطني جامع يضع حدًا للتجاذب، ويحافظ على وحدة الإطار الذي كان لعقود مدرسة في النضال النقابي المستقل والمسؤول.
ومهما كانت خلفيات الخلاف، فإن الحاجة اليوم ماسة إلى حوار داخلي شجاع وهادئ، يعيد الثقة بين المناضلين، ويحصن التنظيم من مزالق الشخصنة وتصفية الحسابات، لأن النقابة – في نهاية المطاف – وُجدت للدفاع عن الشغيلة لا لتغذية الصراعات بين مكوناتها.